الخميس، 1 سبتمبر 2011

مختصر السفسطة 2

بــــــــســـم الله الرحمن الرحيم 



أظن أن الفلسفة السليمة هى النور الذى يدخل لنوافذ عقولنا
أحمد عامر   
 
الحياة صراع ... ولعل الحلم أن العالم يكون بلا صراع ولاجدل ولا ضحايا وبلا مرضى وفقراء وبلا أشرار وأن يكون سعيداً وجميلاً ويسود الحب والسلام أرجاء كل الدنيا بشكل ملطلق غير نسبى ويشمل الجميع  .. يبقى كل هذا مجرد حلم
لأن الحقيقة فى هذه الدنيا الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين النور والظلام وبين الإنسان والشيطان
كما قال الله سبحانه وتعالى عند هبوط أدم وحواء والشيطان  من الجنة إلى الأرض
قال تعالى (قلنا إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين )
إذا مادام هناك حق ومقابله باطل فلامجال للشك من الصراع ومن التحدى ومن جور الباطل وقوة الحق ومن إعتداء الظالم وثورة المظلوم ومن هجوم الشر وإنتصار الخير
ومهما طال الظلام فنور الله أاتى ومهما فجر الشر فالخير فى النهاية المنتصر هى مصارعة ونتيجتها محتومة ومهما طال الوقت لأن هذا وعد الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين المتبعين للحق والمدافعين عنه
والجهاد  للدفاع عن الحق أنواع كما أمر الرسول بالجهاد فى ثلاث وسائل (قال عليه الصلاة والسلام: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم))
قال ابن حزم -رحمه الله- ((وهذا حديث غاية في الصحة وفيه الأمر بالمناظرة وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة في سبيل الله)

والجهاد بالمال والنفس معروف .. إنما الجهاد باللسان يكون بكذا وسيلة منها الذكر والدعاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة إلى الله والمناظرة والمحاضرة وغيرها وأغلب الوسائل تعتمد على المهارة الخطابية والكلامية ومن يمارس المهارات الخطابية لابد أن يتقى السفسطة وأمراض هذه المهارة والذين إهتمو بالمهارة ( الوسيلة) أكبر من إهتمامهم بالأهداف التى تؤدى إليها المهارة لذلك أغلبهم يتكلم لغرض الكلام وهذا مذموم
ومن باب التقوى فى العبادة إدراكك لكل مايفسد عبادتك وإجتنابه من ذنوب ومحبطات للأعمال وغيرها  وكذلك فى الخطاب والكلام من باب التقوى فيه أن تتقى السفسطة وتعرف وتدرك ماهيتها وتفاصيلها
كما أوضحنا مصطلح السفسطة ونشأتها  سنتعرف وسنعرج قليلا للسفسطة بتعمق أكثر وإدراك
وقبل البدء فى نقل شرح الفيلسوف المسلم إبن رشد  من كتابه مختصر السفسطة الذى أنصح بقرائته
سنتكلم عن دوافع السفسطة :
أولاً: الجهل 
قال الشافعى ( ما إختلف قوما إلا على أمر جهلوه )
دوما هناك طرف يجهل القضية ومن عظمة جهله يدرك أنه الأحق إنما الطرف الأخر هو الجاهل ولعلك ترى إثنين يتناظران ويتجادلان ويختلفان فى شىء متفقان عليه أصلا
وجهل الذى يدافع عن الباطل هو جهله بالحق وببشاعة مايدافع عنه ويقف له بالمرصاد ومن جهله أيضا أنه يستبعد فرض الإقتناع وفرض التسليم وإن ثبت له بالنصوص والمادة أنه على خطأ وإن أقتنع من داخله بخطأه  مجانبة للإحراج وعصبية يتجنب هذه الفروض التى هى هدف أى مناظر من الأساس والجهل دوما يدفع للعنف والتطاول ويدفع للمخاصمة والسفسطة وقلب المفاهيم والكذب بكذبة والإيمان بتلك الكذبة... فالجهل بالأمر من أكبر الدوافع للمناظرة فيه والسفسطة فيه لأنه لايعرف ما الحق فيحاول التدليس والمغالطة والبحث عن مبررات إلى ان يطبق السفسطة بإتقان
ثانياً: الشهرة
إن الشهرة والمال هما الدافع الأول عند السفسطائيين اليونايين القدامى وكان الرجل منهم يدافع عن وجهة نظر ويقنع الناس بها فى يوم واليوم التالى يهاجم نفس وجهة النظر التى كان مؤمن بها بالأمس من أجل الشهرة والمال والقضايا الكثيرة
ثالثاً:الكبر
وهناك سفسطائيين يكتشفون أنهم على باطل ويعلمون أين الحق ولكن كبرهم يجعلهم يستمروا فى السفسطة والإستمرار فى ماهم فيه
رابعاً: الخوف
هناك فترات من الزمن كثيرة أصحاب الحق فيها مضطهدين والسفسطائية لهم من المكانة مايكفى لدعم أفكار هذه النظم التى تقمع الحق لذلك  الدافع للسفسطة هو الخوف وتحقيق الأمان بجانب سلطان الباطل بما أن سلطان الحق ضعيف مستضعف فى الأرض
 من كتاب مختصر السفسطة لإبن رشد
يقول إبن رشد هناك سفسطة فى الألفاظ والجمل وهناك سفسطة فى المعانى
يصنف المخاطبات الى اربعة أجناس من  المخاطبات
البرهانية......... المبادىء الاولى الخاصة بكل تعليم
الجدلية............. تتألف من المقدمات المشهورة عند الجميع والتى يقبلها الجميع واغلبهم
الخطابية............. تتألف من مقدمات ظنية كالتى تقال أول الرأى
السفسطائية......... هى التى توهم انها جدلية بمقدمات محمودة مع انها ليست كذلك فى الاساس
وكان يسميها بالمشاغبة الكلامية .. والمغالطة

والسفسطائية لها خمسة أهداف  ....فالسفطائية تلتزم بسير هذه الاهداف تباعا  فأول شىء  التبكيت ثم التشنيع ثم التشكيك ثم إستغلاق الكلام واستحالته ثم يتلو ذلك سوقه الى الهذر والتكلم بالهذيان
 _____________
والتبكيت منه مايكون من قبل الألفاظ ومنه مايكون من قبل المعانى

اولا : التبكيت بالألفاظ : ومن قبل الالفاظ هناك  ستة أصناف
اللفظ المفرد : مثال المتعلم يعلم ... والعالم يعلم ... اذا المتعلم عالم
إشتراك التأليف: وهو اصناف منها التقديم والتأخير كقول ان العالم شريف ..اذا الشريف عالم
وقد يكون إشتراك التركيب من قبل تردد الضمير  بين معنا كثر من واحد  مثل  ماقال الانسان كذلك فهو كذلك  .. ماقال الانسان  صخرة فالإنسان صخرة
وقد يكون الاشتراك من قبل الاضافة مثل أعجبنى ضرب زيد فقد يكون زيد ضاربا او مضروبا
الافراد اللفظ المركب مثل  سقراط عالم فى الطب  إذن سقراط عالم
الموضع الذى من القسمة : الرقم خمسة منها زوج والخمسة منها فرد إذن الخمسة زوج وفرد
الموضع من الاعجام : عندما يتغير إعراب الكلمة او معرفة معناها فى لغتها
وهنا إبن رشد يوضح أن من فن السفسطة التلاعب بالألفاظ كقول لفظ مفرد وتقديمه وتأخيره  وكلفظ مركب ويأخذه فى حكم أخر على أنه مفرد وكالقسمة وبالألفاظ ينفى ماهو بديهى أصلا وكموضع الإعجام ولعلى أجزم أن هناك غالبية من السفسطائيين يستخدمون أغلب كلامهم أعجمى حتى يستطيع النجاح فى سفسطته وهو نفسه يجهل معناها وماهيتها وإعرابها
________________________
القول من المغلطات من المعاني
قال ابن رشد: والمواضع المغلطة من المعاني سبعة مواضع:
أحدها: إجراء ما بالعرض مجرى ما بالذات؛ ومثال ذلك قول القائل: زيد المشار إليه غير الإنسان، وزيد إنسان، فالإنسان غير الإنسان.
وذلك أن حمل الإنسانية على زيد هو بالذات. وعرض لزيد من جهة ما هو شخص أن كان غير الإنسان الذي هو نوع كلى، فظن لذلك أنه يلز
والثاني: أخذ المقيد مطلقاً، بأن يؤخذ ما سبيله أن يصدق مقيداً فقط، على أنه صادق بإطلاق. وأعنى ما كان مقيداً بصفة، أعنى بصفة ما، إما بزمان، أو بمكان، أو غير ذلك من أنواع التقييدات؛ مثل أن يقول قائل: إن كان ما ليس بموجود فهو متوهم، والمتوهم موجود، فما ليس بموجود فهو موجود.
والثالث: الغلط الذي يقع من قلة العلم بشروط التبكيت، وإنتاج مقابل ما اعترف الخصم بوجوده؛
والرابع: موضع اللاحق؛
والخامس: المصادرة على المطلوب؛
والسادس: أخذ ما ليس بسبب على أنه سبب؛
والسابع: أخذ المسائل الكثيرة على أنها مسألة واحدة.
ويقول إبن رشد فى مواضع أخرى من الكتاب الجميل تلخيص السفسطة  .....قال ابن رشد: وأما التبكيتات التي تعرض من قبل اشتراك الاسم ومن قبل المشاغبة اللفظية، فإن منها ما يعرض الغلط فيه، أو المغالطة، من قبل الاسم المشترك المأخوذ في المقدمات، ومنها ما يعرض من قبل الاسم المشترك المأخوذ في النتيجة، أعني إذا لم يفهم أنه يدل على كثير. مثال ذلك أن من سلم أن الساكت يتكلم، والمتكلم غير ساكت، وظن أنه قد لزمه التبكيت،
 والسفسطة هى خطر كبير عندما تتفشى بين العوام من الناس وتلعب بعقولهم وبديهياتهم
وللقضاء على السفسطة :
ان تمتلك مهارة خطابية كلامية
أن تكون على علم بالمصطلحات الأعجمية
ان تستخدم المنطق والقياس
أن تسقط عليهم أسمائهم الحقيقية وهى انهم سفسطائيين
الصمت ... ولعل الصمت هو قمة المناظرة ( فى رأيي) إجعله يسرد فى الكلام ووضح بعد ذلك إختلاف منطق كلامه ولابد أن تحدث بما يفهم ويؤمن
التحدث بالدليل والوثائق

ومن نصائح السلف للمناظرة والفيلسوف:
قال عمر ابن عبد العزيز " ما رأيت رجلا لاح الرجال إلا أخذ بجوامع الكلم". وقيل لإبن عباس رضي الله عنه "بما نلت العلم؟"، قال: "بقلب عقول ولسان سئـُول". ولذلك قالوا " لا يطلب العلم رجلان: مستحٍ ومستكبر، فالمستحي يمنعه حياءه أن يسأل والمستكبـر يمنعه الكبر أن يسأل".
قال الإمام المزني ـ رحمه الله ـ :«لا تعدو المناظرة إحدى ثلاث: إما تثبيت لما يديه، أو انتقال من خطأ كان عليه، أو ارتياب فلا يقدم من الدين على شك. قال: وكيف ينكر المناظرة من لم ينظر فيما به يردها

قال الشافعي : "ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ" "ما ناظرت أحداً إلّا وددت أن يظهر اللّه الحقّ على يديه" ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه .وما ناظرني فبالَيْتُ ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني ) (ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني ، ولا ردَّها إلا سقط في عيني).

وأختم بقول الله بسم الله {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118-110].


ليست هناك تعليقات: